صلاح جلال |
صلاح جلال
ثورة ديسمبر المجيدة هي مفتاح الحل لقضية الحرب وجعلت توقيع اتفاق جوبا للسلام ممكناً عندما رفعت شعارها الخالد حرية سلام وعدالة وأشهرت هتافها “يا عنصرى ومغرور كل البلد دارفور”.
كان سلام جوبا محاولة مهمة لمعالجة قضية الحرب وإنهاء العنف بإقليم دارفور والمناطق الأخرى ج كردفان وج النيل الأزرق، يجب أن نعترف أن إقليم دارفور دفع ثمناً باهظاً خلال الخمسة عشر عاماً الأخيرة من حكم الإنقاذ.
تقدير الضحايا لا يقل عن 750 ألف شهيد وحوالي 300 قرية أْبيدت وحرقت وحوالي 2 مليون تهجير داخلي وأكثر من مليون لاجئين، وتمت أكبر عملية تطهير عرقي في تاريخ السودان الحديث. هذه مأساة تفوق الوصف وجريمة توجب العقاب وخراب يقتضي جبر الضرر.
لذلك كان من الطبيعي أن تقوم النخبة السياسية المركزية بمكافأة هذه المعاناة بتعويض سياسي واقتصادي معقول ومعالجات جذرية تمنع وقوع مثل هذه المآسي في المستقبل. وقع خطأ استراتيجي في إطار التفاوض من أجل السلام وهو شكل التفاوض Conceptual بين حركات التمرد على افتراض أنها تمثل إقليم دارفور، وقطاع من المجلس السيادي على اعتبار أنه يمثل بقية الشعب السوداني والحكومة، وعزل الاتفاق القوى السياسية والمدنية وأصحاب المصلحة من الإقليم مع منحهم دوراً ثانوياً.
انتهت المفاوضات إلى صفقة دارفورية دارفورية (حميدتي + التعايشي في مواجهة مناوي + جبريل)، انحصرت الصفقة في قسمة السلطة والثروة بشكل أساسي.
بروتوكول القضايا القومية وهو المعني بمعالجة جذور الأزمة تم تناول القضايا فيه في غياب تام لممثلي الشعب في الأحزاب وأصحاب المصلحة ووردت فيه إشارات تأجيل من شاكلة الإشارة للمؤتمر القومي الدستوري. الخلل الثاني بعد توقيع الاتفاق تم التباحث في الخرطوم بين أطراف الاتفاق من الحركات والحرية والتغيير المجلس المركزي حول تفاصيل قسمة السلطة، وتحديد نسب المشاركة خاصة في المجلس التشريعي وكذلك حول نسبة الـ10% من السلطة للمحاور في الأوسط والشرق والشمال، وكما تمت مفاوضات لاحقة في مجلس الشركاء للاتفاق حول كيفية المواءمة مع الوثيقة الدستورية التي حددت أن السلطة المدنية حق حصري للحرية والتغيير فقط.
الآن اتفاق جوبا في مأزق أكبر وهو سقوط الإطار الدستوري للاتفاق بفعل انقلاب 25 اكتوبر (سقوط الوثيقة الدستورية) وبروز الإتجاه لصياغة دستور جديد، جوهر التعديل فيه إبعاد المؤسسة العسكرية من السياسة ومن مؤسسات الحكم المدني وقيام سلطة مدنية كاملة مهيمنة على الدولة، مما يلزم موضوعياً إجراء تعديلات على وثيقة الاتفاق، وكذلك غياب الحرية والتغيير كجسم سياسي مهيمن، يلزم مراجعات في توزيع نسب السلطة وضرورة مراجعة بعض بنود اتفاق القضايا القومية خاصة فيما يتعلق بمستويات الحكم والمدة الزمنية للانتقال، هذا بالإضافة لانقسام الجبهة الثورية الموقعة على الاتفاق إلى أربع مجموعات (حجر + الهادي + عقار) و(مناوي + جبريل + تمبور) و(جلاب + الجاكومي) و(عرمان + بثينة دينار)، بالإضافة إلى مطالب الأقاليم بإلغاء المسارات في الوسط والشرق والشمال.
لابد من معالجة قضية قسمة السلطة التي سيطرت على أغلبها حركتان فقط في دارفور ذات التنوع الواسع، وحركة واحدة في النيل الأزرق مع إقصاء القوى السياسية الأخرى وأصحاب المصلحة في هذه الأقاليم، الآن نحن أمام ثلاثة خيارات مطروحة للمعالجة:-
1- رأي يتمسك بكامل الاتفاق ويطالب بعدم المساس به وقبوله كما هو حزمة واحدة.
2- رأي ثانٍ يقول يجب أن تتم مراجعة الاتفاق من خلال الآليات المنصوص عليها في داخله لكيفية التعديل بالإضافة والحذف.
3- رأي يقول بإلغاء كامل الاتفاق والعودة لتأسيس إطار شامل لعملية سلمية متكاملة شاملة للجميع الحركات المسلحة والقوى السياسية وأصحاب المصلحة.
هذه هي حقيقة مأزق اتفاق جوبا الراهن بغض النظر عن توقيع جبريل ومناوي على الاتفاق الإطارى من عدمه، هذه الإشكالات الموضوعية قائمة وتحتاج لإعادة نظر لاصطحاب المتغيرات والموقعين على الاتفاق للمرحلة الانتقالية الجديدة بإطارها السياسي والدستوري المختلف عن سابقتها مما يقتضي فتح نقاش واسع وعميق حول سلام جوبا لا للإلغاء ولا للإبقاء ولكن للتحسين والشمول.
ختامة
اتفاق جوبا أصبح شملة كنيش ثلاثية وقدها رباعي، به ثقوب موضوعية تفرض مراجعته وواقع سياسي متغير بإحداثيات جديدة موضوع لا يجب التهيب من مناقشته وإيجاد الحلول المعقولة للتحديات المطروحة.
11 يناير 2023م
اكتشاف المزيد من قناة المرصاد
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد