اتفاق سلام جوبا.. ثقوب وتحديات

 

صلاح جلال 

صلاح جلال

«1»

 الاتفاق الإطارى الموقع بين القوات المسلحة والدعم السريع، وقوى الثورة ممثلة في الحرية والتغيير، في 5 ديسمبر الماضي حدث مِفصلي في سياق الأزمة السودانية Sudan Saga، يتيح فرصة حقيقية لانتشال البلاد من مأزق وجودي يهدد سلامتها في صدام طويل بين قوى الدولة الصلبة وقطاع واسع من الشعب، من أجل الانتصار للتحول المدني الديمقراطي، الذي يحقق شعارات الثورة الخالدة حرية- سلام- عدالة.

لقد انطوى الاتفاق الإطاري على فرص كبيرة ترافقها تحديات أساسية تهدِّد نجاحه، يجب وعيها ومراقبتها.

 

«2»

 الانتقال الراهن يستهدف بشكل أساسى تحقيق أهداف محدّدة، في مقدمتها استقرار البلاد والحفاظ على أمنها، والتحول المدني الديمقراطي الذي ينتهي إلى انتخابات حرة ونزيهة، مع سلام شامل وعادل، وتوفير احتياجات الناس الأساسية.

 

واجهت المرحلة الأولى من الانتقال تحديات من أخطاء ومؤامرات تجاوزت قدراته على الاحتمال فوصل لطريق مسدود، أدى لمصادرة العملية السياسية بكاملها، وتجميدها على مدى عام كامل قاد لمزيد من التدهور السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فشلت معه جميع المقاربات، من المواجهة الشاملة لإسقاطة والحلول التفاوضية من خلال مبادرات وطنية متعددة وعبر وسطاء من الإقليم والعالم، حتى توقيع الاتفاق الإطاري الذي يعتبر أهم فرصة ممكنة لتفكيك الأزمة.

 

«3»

 لقد أدارت قيادة الحرية والتغيير مقاربة الحل السياسي المتفاوض عليه في ظل وضع متغير بسرعة، ومشحون بمقاومة شرسة وعواطف وطنية جياشة، وتحديات سياسية كبيرة على صعيد الداخل والخارج القريب، وصلت بذكاء كبير إلى تفاهمات، تمت مرحلتها إلى ثلاث حزم أساسية، اتفاق إطاري ودستوري وإعلان سياسي، بهدف الحفاظ على مبادئ الثورة، وتوسيع القاعدة السياسية للانتقال الديمقراطي، مما استدعى دخول لاعبين جدد منهم الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بقيادة السيد الحسن المرغني والمؤتمر الشعبي لتعزيز مركز قوى الانتقال الديمقراطي في مواجهة هجمة القوى المضادة للثورة.

 

«4»

 هذه  النقلة الهامة رافقتها  فرص  وتحديات، منها مزيد من انقسام القوى المدنية في معسكر الثورة، بين من يطالبون بالحلول الجذرية كخيار وحيد، ومن يعتمدون إطاراً ثلاثياً للحلول يقوم على التصعيد الشعبي- العملية السياسية- التضامن الدولي، لتقود لذات النتائج مع اختلاف الوسائل، التحدي الراهن أمام الاتفاق الإطاري كيفية تحشيد أوسع القطاعات من قوى الثورة لدعم العملية السياسية الجارية، من خلال شعار وحدة الهدف واختلاف الوسائل، دون عداء أو تخوين، كما تقول الحِكمة الإنجليزيةDont let the perfect be the enemy of the good، بمعنى إيجاد طريق لتجنب العداء والتخوين في معسكر الثورة والعمل المشترك ما أمكن ذلك، وهو تحدٍّ كبير يحتاج لمجهود.

 

لقد خرج حزب البعث الأصل برفضه للاتفاق الإطاري، وهو خروج يحمل في طياته تحدي انقسام داخل المجلس المركزي، باعتبار البعث من قوى الثورة الأصيلة، ولكن خروجه بخسارته ينطوي على فرصة أيضاً، وهي تجاوز عبء محمول البعث على المستوى الخارجي الإقليمي والدولي باعتبار البعث تعبير سياسي متجاوز للحدود والدول، وما يحمله من تناقضات ذات تأثير على التضامن العالمي.

 

«5»

 التحدي الثاني هو التوافق مع قوى سلام جوبا، خاصة قوى تحرير السودان قيادة مناوي، والعدل والمساواة بقيادة د. جبريل الذين احتشدوا في الكتلة الديمقراطية، هذه المعضلة يساعد في تجاوزها الاتفاق الإطاري بذكاء وحِكمة، لإبعاده التكتلات السياسية من التوقيع على الإعلان بما فيها الحرية والتغيير، وإعلانه أن قسمة السلطة لن تقوم على أي محاصصات حزبية، بل حكومة كفاءات وطنية، وتم تضمين المبدأ في بنود الإعلان الإطاري.

 

التحدي الثاني في هذه الكتلة هو إجراء الإصلاحات المطلوبة على بعض المسارات في اتفاق جوبا للسلام، والتي تعطل تنفيذ الاتفاق لوجود معارضة معتبرة غير مستوعبة من بعض أصحاب المصلحة خاصة في شرق السودان، هذا التحدي الإصلاحي ما زال قائماً، حيث ترفضه الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية على الرغم من وجود الناظر ترك ضمن طاقم قيادتها.

 

«6»

 التحدي الثالث هو الانفتاح لتوسيع قاعدة الانتقال الجماهيرية، من خلال تقنين مشاركة كل القوى السياسية عدا حزب المؤتمر الوطني المحلول، كما ورد في نص الاتفاق الإطاري، وهنا يبرز تحدي التوسيع والإغراق للعملية السياسية.

 

لقد ورد في الاتفاق الإطاري نص للتمييز بين قوى الثورة ومهمامها وواجباتها وقوى الانتقال التي تشارك في البرلمان ومفوضيات المستقبل، وهو نص يمكن أن يكون حاكماً وضابطاً لمخاوف الإغراق لأهداف وبرنامج العملية السياسية، لهذا يجب على الحرية والتغيير التعامل بعقلية نساء ورجال الدولة المنفتحين على المساومة والمستعدين لصناعة الحلول، وليس وضع المتاريس بالرفض غير المبرر، لإكمال العملية السياسية وفق شعار استيعاب الجميع في قاعدة الانتقال، عدا الحزب المحلول وواجهاته السياسية المباشرة.

 

«7»

 التحدي الرابع وهو تحدٍّ داخل الحرية والتغيير المجلس المركزي ومكوناته المختلفة، أول التحديات أمامه، توسيع قاعدة المشاركة وتنويعها، من خلال تنظيماته الأعضاء، بتكوين مجالس موسعة لاستيعاب القوى الديمقراطية ولجان متعددة لقيادة العمل الجماهيري، بما يحقق المشاركة الواسعة والتنوع، حتى تكون العملية السياسية مملوكة لأوسع قاعدة جماهيرية ممكنة، مع الانفتاح على جماهير الريف والولايات، وحملها كرافعة ضامنة للعملية السياسية، بإشراك النساء والشباب والطلاب، والمجموعات الفئوية والمهنية، وفق برنامج وقيادة مركزية واضحة للإدارة والتنظيم، لتأسيس كتلة الانتقال الحرجة التي تحميه من التحديات الداخلية والخارجية التي تستهدف إسقاطه.

 

«8»

 لقد نال التوقيع على الاتفاق الإطاري تأييداً وتضامناً دولياً منقطع النظير، من كل دول الإقليم والعالم ومنظماته بما فيها الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، هذا النهوض العالمي المتضامن مع الانتقال الديمقراطي، يشكِّل تحدياً لضرورة إنجاح العملية السياسية وفرصة لاستدامتها، يجب علينا الاستفادة القصوى منها، بغرض طرح برنامج اقتصادي إسعافي، وتحديد احتياجات عاجلة يقتضيها تمويل عاجل بما يشمل مطلوبات السلام، ووضعها أمام الدول الصديقة المتضامنة ومراكز المال الدولية.

 

هذا البرنامج يجب إنتاجه كوثيقة ملحقة مع وثائق العملية السياسية الجارية اليوم يوقع عليها الضامنون الإقليميون والدوليون للاتفاق النهائي، حتى تولد الحكومة القادمة في بيئة محفزة للنجاح والاستقرار، مما يوجب التحرك الخارجي النشط، والوصول لدول الجوار وبعض مراكز العالم السياسية لحملهم للتضامن مع ما نريد، وفق برنامج وأهداف أهل السودان المعلنة.

 

«9»

 ختامة

الاتفاق الإطاري خطوة كبيرة أمام تحديات عظيمة، لقد كسب الشعب لصالحه معركة هامة ولكنه لم يكسب الحرب بعد، علينا الوعي بكل المخاطر المحيطة والتحديات المنظورة والمستترة، وقفل الثغرات المحتملة، ووضع الحلول والتصورات الاستباقية للعراقيل المتوقعة، الثورة مستمرة والنصر أكيد، والردة مستحيلة.

 

13 ديسمبر 2022م


اكتشاف المزيد من قناة المرصاد

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

قناة المرصاد هي منصة اخبارية متميزة بدون اي توجهات سياسية او أيدولوجية نقدم لكم جميع الاخبار بدون اي انحياز او توجيه من السودان إلى أقصى بقاع الأرض

اترك رد