الحرية – العدل – السلام – الديمقراطية
حركة / جيش تحرير السودان – المجلس الإنتقالي
خطاب الحركة إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للامم المتحدة
الدورة التاسعة والثلاثون 10/سبتمبر2018 الى28 سبتمبر2018
السيد رئيس المجلس
السادة ممثلين الدول
المنظمات الحقوقية و العدلية و كل المهتمين بقضايا العدل و حقوق الإنسان
تحية تقدير و إحترام إليكم جميعا، و أنتم تجتمعون لمواصلة جهودكم و مساعيكم في دعم و حماية حقوق الإنسان على مستوى العالم و السودان بوجه أخص، حيث لا يزال السودان عالق في كل التقارير الصادرة عن المنظمات المحلية و العالمية المعنية بإنتهاك حقوق الإنسان، سواء أكان ذلك الإنتهاك على المستوى الفردي كما في عناوين الصحف السودانية التي يتصدرها القبض على النساء بفعل قانون النظام العام، أو الجماعات كما يحدث في مناطق النزاعات المسلحة و ضد القوى السياسية السودانية.
أوضاع حقوق الإنسان في السودان قد لا تحتاج إلى تعريف سيما بعد ثبات السودان في أعالي قائمة الدول المنتهكة لحقوق الإنسان طوال العقود الماضية، حيث يعاني معظم السودانيون من انتهاكات سافرة على حياتهم بفعل الإجراءات المقيدة للحريات تارة و التعدي المباشر عليهم من قبل أجهزة الدولة تارات أخرى. و يتجلى هذا التعدي في مصادرة حق الحياة ضد مئات الألوف من الشعب السوداني خاصة فى مناطق النزاعات في كل من دارفور و جنوب كردفان و النيل الأزرق و كذلك بفعل قانون الطوارئ في حاضرات هذه المناطق و مدنها و بلداتها المختلفة بجانب التعدي على حركة التجارة و حركة تنقل المواطنين في المناطق الحدودية ذات الصلة بمناطق الحروبات. و تستمر هذه الإنتهاكات لتشمل مصادرة حق التعبير و حرية الراي و الفكر و الصحافة و المطبوعات لينسحب هذا التعدي على حرية الأفراد بفعل قانون النظام العام الذي يتدخل في مأكل و مشرب و ملبس الناس و كل أنشطتهم الحياتية و أيضا حرمان الناس من أبسط حقوقهم كما في حالة الأسرى و المعتقلين السياسيين و حرمان النازحين من أبسط الخدمات الإنسانية و محاصرة المدنيين في مناطق النزاع و منع وكالات الغوث من إعانتهم و كذلك إستهداف الشباب المنحدر من مناطق النزاعات ولاسيما طلاب دارفور و مصادرة حقهم في التعليم و الحياة بدوافع سياسية.
الأسرى و المعتقلين السياسيين
و مع أن معاهدة جنيفا لحماية الأسرى تنص على حماية الأسير و حماية حقه في التمتع بخدمات إنسانية، إلا أن الحكومة السودانية تعمل على قتل الأسرى بصورة دائمة و بدم بارد. حتى بداية سبتمبر الجاري قتل على الأقل خمسة من رفاقنا الأسرى لدى النظام و هم 1/ زكريا محمد سليمان 2/ محمد سليمان (ود ربكونا) 3/ نصرالدين محمد إسحاق (ود سرونق) 4/ عبدالسلام محمد صديق و 5/ الرفيق يعقوب محمد حسن دلدوم الذي توفى بتاريخ الخامس من الشهر الجاري. حيث يتم قتل الأسرى إما بواسطة التعذيب و التجويع أو من خلال الإهمال الصحي و الحرمان من العلاج بجانب منع منظمة الصليب الأحمر الدولي و المنظمات الحقوقية الأخرى المهتمة بقضايا الأسرى و حقوق الإنسان، بينما لا يزال آخرين يعانون ظروف صحية قاسية مع الحرمان المستمر، منها 10حالة صحية في ظروف حرجة، و هذا ما نعتبره تنفيذ لأحكام إعدام غير معلنة ضدهم من خلال الموت العسير (الموت تحت التعذيب).
هؤلاء الأسرى و غيرهم ظلوا في بيوت الأشباح لفترات متفاوتة تجاوزت بعضها نصف العام مما تسبب في تفاقم ظروفهم الصحية و المعيشية، تزداد معاناتهم يوما بعد يوم بسبب الألم جراء الإصابات المباشرة في الحرب أو الإصابة بالأمراض داخل بيوت الأشباح و تنوع الحرمان كما أسلفنا. و لكن معاناة الأسرى لم تقف عند هذا الحد، فقد دأبت السلطات السودانية إلي إذلال الأسري و ذلك من خلال عرضهم أمام محاكم صورية في إنتهاك صريح لكل أعراف قضايا الحرب بينها الأسر و مخالفة علانية لمعاهدة جنيفا للأسرى و ذلك بغرض إبتزاز الأسرى و أسرهم لتحقيق مكاسب سياسية. حتى الآن يوجد اكثر من500 أسير في زنازين و سجون النظام جراء المعارك التي خاضتها قوى الثورة خلال السبع سنوات الماضية آخرها معركة الكرامة بقيادة قوات حركة تحرير السودان (المجلس الانتقالى و مناوى) في شهر مايو من العام الماضي، جميعهم يعانون الحرمان المطلق، بينما في المقابل أطلقت الجبهة الثورية السودانية أكثر من مائتين و خمسين أسير تم تسليمهم في العاصمة اليوغندية كمبالا في العام 2016م و هم على أتم الصحة و العافية، و هذا ما يؤكد إلتزامنا بمبادئنا و قيمنا أولا، و من ثم الإلتزام بالمعاهدات و القوانين الإنسانية الدولية.
الناشطين الحقوقيين و السياسيين من جهة أخرى يواجهون صنوف مختلفة من التعدي عليهم و على حقوقهم، حيث يتم القبض عليهم حسب رغبة السلطات دون أي مخالفات جنائية من قبلهم و حجزهم دون تقديمهم لأي محاكم، و تصل الإعتقالات الأولية لشهر و نصف كحد أدنى للمعتقل السياسي مع الحرمان المستمر من التواصل من الأسر و العمل، كما يتم منع الناشطين السياسيين من السفر و مصادرة وثائق سفرهم دون أي أسباب موضوعية، و تقييد الحركة السياسية بما يعيق أنشطة المنظمات الحقوقية و الأحزاب و التنظيمات السياسية بجانب توقيف و ضرب السياسيين الذين يمارسون حقهم في حرية الراي و التعبير و التجمع السلمي.
و في هذا الصدد، نجدد مطالبتنا و دعوتنا لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة و منظمة الصليب الأحمر الدولي و كل المنظمات الحقوقية المعنية بحماية الأسرى و رعاية حقوقهم بضرورة الوصول إلى الأسرى في كافة السجون السودانية بدءا من سجن الهدى بأم درمان، سجن بورتسودان، سجن شالا بالفاشر و غير ذلك من السجون التي لم تكن لتصلح أن يتم وضع الأسرى بها، كما يجب إجراء المسوحات الطبية اللازمة لجميع الأسرى و تقديم المساعدات الطبية و الصحية لجميعهم. كما يجب تخصيص نزل خاص للأسرى بعيدا عن نزل المواطنين الآخرين الذين تمت إدانتهم في جرائم جنائية.
وقف التعدي على النشطاء السياسيين و الحقوقيين و توقيفهم التعسفي و حجزهم غير المبرر و منع السياسيين من السفر و مصادرة وثائق السفر الخاصة بهم و عدم ضربهم و محاكمتهم وفق قانون النظام العام. يجب أن يكون أولى إهتمامات مجلس حقوق الإناسن التابع للأمم المتحدة حماية هولاء و إلا سيكون الحديث عن الحرية و الديمقراطية في السودان مجرد مفردات يتم إستهلاكها بغرض التضليل و الإستهبال السياسي.
حرية التعبير و حرية الراي و الصحافة و المطبوعات
الرقابة القبلية للصحف و مصادرة الصحف بعد الطبع و منع بعض الكتاب السودانيين من الكتابة إضافة إلى مصادرة الكتب و منعها عن العرض بجانب منع حرية التجمع السلمي و ملاحقة الكتاب و الصحفيين و المدونين على مواقع التواصل الإجتماعي و توقيف العديد منهم بتهم سياسية من قبل الأجهزة الأمنية الحكومية. هذا الواقع يبين حال حقوق الإنسان فيما يتعلق بحرية الراي و حرية التعبير و حرية الصحافة و المطبوعات. واقع حرية الراي و التعبير و الصحافة و المطبوعات يعد من أبرز إنتهاكات حقوق الإنسان و هو يعيق عملية التطور الديمقراطي و بالتالي تعطيل عملية بناء السلام و الإستقرار.
الحديث عن بناء السلام و الديمقراطية مع الملاحقة المستمرة للصحافيين و الكتاب من قبل الأجهزة الأمنية للنظام لا يعدو كونه ضرب من حرق للزمن، في وقت فيه يسيطر النظام على وسائل الإعلام و المادة الإعلامية المنتشرة التي صممت لبث روح الشتات و التفرقة. المادة الإعلامية التي تبثها آلة النظام الإعلامية لا يمكن تصنيفها إلا على أنها خطاب الكراهية الرسمي الأول في العالم دون منافس، و بالتالي تجييش الناس للحرب و العنف و القبلية و العنصرية من خلال الدعاية الرخيصة للحرب و تقسيم المجتمعات و الزج بالمجتمعات في حروبات سياسية مما يفاقم الهوة المجتمعية و من ثم إنحسار فرص بناء السلام المجتمعي و التعايش السلمي.
حتي الآن هناك حوالي عدد ( 13) حالة مصادرة للصحف منذ بداية العالم الحالي بجانب حوالى (10) حالة منع من الكتابة و هذا يحيل دون إيصال المعلومة الحقيقية و الصحيحة و بالتالي تعطيل عملية إتخاذ القرار السليم لدى المواطن السوداني بعدم تمكينه من المعرفة. مصادرة حرية الراي و التعبير و إعاقة عمل الصحافة و المطبوعات و مصادرة الكتب و منع بعضها من العرض و التداول تؤكد أن النظام القابض في السودان هو أبعد ما يكون عن الحقوق و الحريات و حقوق الإنسان و بالتالي يتطلب هذا الوضع إتباع إجراءات جادة من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة و الدول التي تتبنى حماية حقوق الإنسان حيال وضع حقوق الإنسان في السودان وادراجة تحت البند (البند الرابع اى بند الاجراءات الخاصة) بما يتيح مساحة تضمن حرية الراي و التعبير و الصحافة الحرة المستقلة.
الحريات الدينية وحرية الاعتقاد فى السودان
أوضاع الأقليات الدينية تسوء يوم بعد يوم منذ إستفتاء جنوب السودان الذي قرر شعبه بناء دولته المستقلة عن السودان في العام 2011م حيث أعلن الرئيس السوداني حينها كأول رد فعل له في حديث عام أن السودان قد أصبح دولة عربية إسلامية و لا مجال لأي حديث آخر.
قرار إغلاق 25 كنيسة من مصلحة الأراضي بولاية الخرطوم العام الماضي و لا يزال قيد التنفيذ، و لم يتم إبطاله من محكمة الإستئناف رغم تدافع الجهات الحقوقية و الإجراءات القانونية من هيئة الدفاع في القضية، إضافة إلى التعدي على أراضي الكنيسة الإنجيلية في الخرطوم بحري و تحويلها إلى قطع إستثمارية و ضرب المؤمنين الذين رفضوا التعدي على الكنيسة و ممتلكاتها بجانب إعتقالات رجالات كنيسة المسيح و ملاحقتهم قضائيا و كذلك التعدي على مزرعة الكنيسة القبطية في أبريل من العام 2012م إضافة إلى سلسلة الإنتهاكات التي تقع ضد المجموعات الدينية غير المسلمة، و في المقابل السماح للجماعات الدينية الإرهابية بممارسات أنشطتها المدمرة للمجتمع و الشباب على المستوى المحلي و العالمي، و يتضح ذلك في إستقطاب و تفويج العشرات من الشباب السوداني من داخل المؤسسات الجامعية و إرسالهم للإنضمام و المشاركة ضمن أعمال تنظيم الدولة الإسلامية في العراق و الشام (داعش).
مسألة الحريات الدينية و حرية الإعتقاد وحدها كفيلة بتوحيد أو تفكيك ما تبقى من سودان، الأمر يعتبر خط أحمر لدى حركة تحرير السودان كما في حرية الراي و التعبير و الفكر، و عليه فإن الحريات الدينية و حرية العقيدة و ممارسة طقوسها و شعائرها يجب أن يتمتع بها كل مواطن سوداني دون أي تمييز بسبب العقيدة أو الدين، و هذا ما لا يمكن تطبيقه في الظروف الحالية طالما بقي النظام الحالي على هرم السلطة في السودان، لذا ضرورة المزيد من الإجراءات لحماية الحريات الدينية أمر حتمي و يجب أن يكون ضمن مخرجات إجتماع مجلس حقوق الإنسان فى دورته الحالي.
أوضاع النازحين و المواطنين في المناطق المحررة
التقارير الرسمية للبعثة الأممية الإفريقية في دارفور (اليوناميد) أعتقد أنها ستكون كافية لتحريك العالم بأسره و ليس مجلس حقوق الإنسان فحسب لو إحتوت على حقيقة الأوضاع و الظروف التي يعيشها النازحون داخل المعسكرات لأكثر من عشرة أعوام، مع عدم خروج البعض منها طوال هذه المدة بسبب الترويع و الصدمة النفسية و عدم الأمن و التعدي الدائم عليهم بواسطة المليشيات الحكومية، و هو ما يعطي شرعية وصفها بأنها سجون مفتوحة.
ما يعضد وصف هذه المعسكرات – في مختلف مدن و مناطق دارفور – بأنها عبارة عن سجون مفتوحة هو عجز المواطنين و عدم قدرتهم على التحرك خارج هذه المخيمات بسبب تهديد المليشيات الحكومية لحياتهم و أعراضهم ضمن برنامجها الممنهج المتبع في منع النازحين من التحرك خارج هذه المخيمات بهدف الإستيلاء على أراضيهم و ممتلكاتهم و مزارعهم و آخر هذه الجرائم هو قتل المواطن الأستاذ محمد الزين آدم أثناء محاولته منع إعتداء على فتيات من قبل مسلح يرتدي الزي العسكري الحكومي بمنطقة جرف شمال نيالا حاضرة جنوب دارفور بتاريخ 5 سبتمبر الجاري و كذلك قتل المواطن عبدالكريم عبدالمجيد آدم في منطقة فتابرنو في مزرعته بتاريخ 27 أغسطس المنصرم و الهجوم على منطقة حجير تونيو في الخامس من يونيو حيث تسبب الهجوم في مقتل (9) أشخاص و جرح (8) و إختطاف آخرين من قبل المجموعات المهاجمة تلاه الهجوم على منطقة قريضة و قتل عدد (2) مواطن و جرح (7) آخرين بتاريخ 6 يونيو و كذلك الهجوم على منطقة شق التبلدي بشرق دارفور و غيرها من قرى العائدين أواخر مايو من العام الجاري، ناهيك عن الإعتداءات المباشرة التي وقعت على معسكري خمسة دقائق و قتل النازحة مقبولة حسب النبي و جرح (13) آخرين بتاريخ 21 مايو 2018م و الهجوم على المواطنين بسوق أبوجا بمعسكر قارسيلا للنازحين بوسط دارفور بتاريخ 22 مايو 2018م حيث قتل (3) من النازحين و أصيب عدد (12) منهم بإصابات بالغة.
في ظل حبس مئات الآلاف من المواطنين داخل هذه المخيمات و السيطرة على أراضيهم و ممتلكاتهم بواسطة المستوطنين الجدد ضمن خطة الحكومة في التغيير الديموغرافي الشامل في دارفور و غيرها من مناطق النزاع، أقدمت الحكومة السودانية على طرد جميع المنظمات الإنسانية في دارفور و بالتالي منع إيصال المساعدات الإنسانية لهؤلاء المتضررين بفعل قوات الجنجويد مع إنعدام الخدمات الأساسية بما فيها الصحة و التعليم، مما يهدد بالإنهيار الكامل للمجتمع و من ثم وضع الناس أمام خيارات صعبة يندر أن يتنبأ بها كل المراقبين للأوضاع الإنسانية و حقوق الإنسان، و يتضح هذا في إختيار الناس للهجرة القسرية (ما يعرف بالهجرة غير الشرعية الى اروبا) رغم قساوة الظروف المحيطة من إمكانية التعرض لتجار البشر أو الموت غرقا بحثا عن حياة آمنة في ما وراء البحار و المحيطات.
ما يزيد الوضع سوءا هو مخطط السيطرة على الأراضي و المزارع، حيث تقوم الحكومة السودانية هذه الأيام بتثبيت خارطة سكانية جديدة و توزيع الحواكير لمستجلبين و توطينهم في أماكن المهجرين، حيث وطنت الحكومة السودانية مجموعات مستجلبة في مناطق شرق جبل مرة و مناطق عدولة بشرق دارفور فضلا عن عمليات التوطين التي تمت في وسط و غرب دارفور منذ إندلاع حرب الحكومة ضد المواطنين في دارفور مطلع الألفية.
ايضا إستخدام الغذاء و الدواء كسلاح لمحاربة المجتمعات في المناطق المحررة (الواقعة خارج سيطرة قوات النظام) و التي تسيطر عليها قوات المقاومة السودانية، يعد من أكبر الإنتهاكات التي يرتكبها النظام، حيث يرفض النظام بشكل قاطع إيصال المساعدات إلى المناطق المحررة و بالتالي إجبار المواطنين إلى النزوح القسري أو مواجهة الموت بواسطة الجوع و المرض، و كذلك حرمان الأطفال من التعليم في هذه المناطق في كل من جبال مرة و جبال النوبة مناطق جنوب النيل الأزرق.
هذا الوضع يتطلب التدخل العاجل من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة و الضغط على الحكومة السودانية بالسماح بعودة عمل منظمات الغوث الإنساني و إيصال المساعدات الإنسانية لكل المتضررين من الحرب في السودان في كل من دارفور و جنوب كردفان و النيل الأزرق على التوالي أولها خدمات الصحة و التعليم. كما يجب وضع آليات دائمة لمراقبة أوضاع حقوق الإنسان في السودان من أجل تمكين المجتمع من ممارسة حياته بصورة طبيعية.
الأمن في مناطق النزاع
تعدد المليشيات الحكومية بدءا من الجنجويد “حرص الحدود” التي تحولت إلى مسمى الدعم السريع و قوات الدفاع الشعبي و القوات الأمنية و العسكرية الحكومية الأخرى أصبح المهدد الرئيسي لحياة الناس. حيث تتمتع قوات جهاز الأمن السوداني و المخابرات العسكرية في ولايات دارفور و جنوب كردفان و النيل الأزرق بصلاحيات مطلقة تمكنها من إعتقال المواطنين و التعدي عليهم و على حياتهم بطرق مختلفة، بينها توقيف المواطنين دون أي أسباب حقيقية، و هذا ما تؤج به محابس (كركونات) المخابرات العسكرية في الفاشر و نيالا و الجنينية و الدمازين و كادوقلي و الدلنج و غيرها من المدن في هذه المناطق، و كذلك بيوتات الأشباح التابعة للأجهزة الأمنية.
وضع الإجراءات و التعقيدات الأمنية في هذه المناطق يعرض المواطنين و التجار و الحركة التجارية و حركة النقل إلى خطر كبير و خصوصا بعد محاولة سيطرة الجيش على حركة النقل و التجارة في العديد من المناطق كما في طول الشريط الحدودي مع جنوب السودان و مناطق النيل الأزرق ما تسبب في إنعدام الأغذية و التموين، إضافة إلى الإجراءات الأمنية التي تحد من كمية البضائع التي يحتاجها الناس في هذه المناطق. منطقة قيسان بالنيل الأزرق تعتبر دليل حي لعكس معاناة الناس هناك بسبب الإجراءات الأمنية التي أدت إلى إنعدام البضائع و المواد التموينية و إحتكار حركة التجارة في المنطقة، و كذلك السيطرة على الموارد المحلية كالتعدين و الأراضي الزراعية في مناطق متفرقة بالنيل الأزرق.
بسط يد المليشيات و الأجهزة الأمنية الأخرى في منع الأهالي من مزاولة أنشطتهم الزراعية و حركة النقل بين مناطق سيطرة الحكومة و المناطق الأخرى و مصادرة ممتلكاتهم و إطلاق النار عليهم يعد من أخطر أنواع التعدي على الناس في هذه المناطق و كذلك الإغتيالات المنظمة التي تطال البعض في القرى و المدن و مخيمات النازحين توضح الظروف الأمنية التي يعيشها الناس في هذه المناطق بسبب الإجراءات الحكومية. و ما يزيد الأمر تعقيدا هو تعاون بعض الجهات الأوروبية مع المليشيات الحكومية في السودان و دعمها لأجل الحد من الهجرة القسرية هذه و بالتالي إعطاء شرعية لهذه المليشيات بمواصلة إنتهاكها لحقوق الإنسان و الذي لا يحتاج إلى بحث لإثباته. و تحتاج حماية الناس في هذه المناطق إلى ضرورة إتباع أو وضع آليات لحمايتهم من التعدي عليهم و على حياتهم بواسطة هذه المجموعات، كما يجب على مجلس الإنسان لفت إنتباه إلى الدول الداعمة لهذه المليشيات و حسها على ضرورة وقف هذا التعاون غير المبرر، لأنه من الأولى أن تذهب هذه الأموال إلى المتضررين و توفير إحتياجاتهم بدلا من إجبارهم على الهجرة و من ثم ملاحقتهم و قتلهم أو بيعهم في سوق النخاسة الحديثة.
طلاب دارفور فى الجامعات السودانية
تطرأ ضرورة تناول مسألة طلاب دارفور من تكرار حالات الإستهداف الممنهج لطلاب دارفور من قبل النظام السوداني، حيث يواجه طلاب دارفور في الجامعات و المعاهدات العليا و المؤسسات التعليمية الأخرى الفصل الأكاديمي التعسفي و الملاحقات الجنائية غير المبررة و التعدي على منابرهم و الإغتيالات المتكررة للطلاب كما حدث في إغتيال العديد منهم آخرهم الطالب عوض الله أبكر الذي عثر عليه مقتولا بتاريخ 17مايو 2018م في منطقة اليرموك / مايو جنوب الخرطوم بعد يومين من إعتقاله بواسطة جهاز الأمن السوداني.
من بين الطلاب الذين تمت محاكمتهم بقضايا تعسفية إستنادا على دوافع سياسية الطالبين عاصم عمر و محمد عبدالله بقاري اللذين قضت المحكمة بالإعدام ضدهم في أوقات سابقة و لا يزالان قيد الإنتظار رغم إلغاء الإعدام بحق الأول، بينما هناك آخرون (12) من جامعة بخت الرضا يواجهون محاكمات شبيهة و ذلك بعد أكبر عملية مصادرة لحق الإنسان في التعليم حدثت في تاريخ البشرية و التي قضت بفصل (1200) طالب من دارفور بديات العام الماضي دون أن يحرك ذلك ساكنا في ضمير أي من المعنيين بأمر التعليم في السودان خوفا من التنكيل و مواجهة ذات مصير الطلاب. فصل (1200) طالب من دارفور بقرار واحد من جامعة بخت الرضا يوضح مدى عنصرية النظام و سياسته التمييزية ضد أبناء دارفور و غيرهم من جبال النوبة و النيل الأزرق و يترجم ذلك في قتل الطالب محمد الصادق ويو المنحدر من إقليم جبال النوبة في ذات العام، إضافة إلى حرق داخلية طلاب دارفور بجامعة دنقلا و منعهم من التنقل و كذلك حرق داخية طلاب دارفور بجامعة شرق النيل و حرق داخلية طالبات دارفور بالخرطوم في العام 2016م.
التعدي على الطلاب المنحدرين من أقاليم يشن فيها النظام حربا على مجتمعاتها لهو إنتهاك صريح و مواصلة لحرب باردة ضد هذه الشعوب و هذا أمر مخالف لكل الأعراف و القوانين التي تحمي المدنيين و تمنع إستهدافهم كما أن هذا السلوك يعتبر معاقبة لهذه المجتمعات و إستمرار في إقصاءها من التمتع بحقها في حياة كريمة، و بمجمله يعد مخالفة يجب تضع السودان تحت عقوبات صريحة ناهيك عن إتباع إجراءات إعتيادية كوضعه تحت البند الرابع من ميثاق حقوق الإنسان.
قانون النظام العام
نظرا لطبيعة النظام السودانى اللصوصي القمعي الإستبدادي و الذى لا يعترف بحق الآخر في العيش بحياة كريمة دون سلبه و مصادرة حقه و تطويعه بما يخدم مصالح النظام و منسوبيه، فان قانون النظام العام فى السودان يعد اكبر مصدرلانتهاكات حقوق الانسان بإعتباره قانونا يصادر باستمرار الحقوق الفردية للمواطن السودانى. فشرطى النظام العام يملك سلطة تقديرية كبيرة بإعتبار انه ليس هناك تعريف دقيق ومضبوط لقانون النظام العام فى السودان. فالشرطي الحكومي يمكن أن يعرف مفهوم الاداب العامة فى عدم ارتداء البنطال من قبل السيدات كما حصل فى حادثة الصحفية لبنى حسين الشهيرة، او فى عدم اطالة الشعر كما هى فى حادثة الصحفية سمية اسماعيل هندوسة على الرغم من ان ظاهرة اطالة الشعر قد يكون عادة ثقافية كما هى فى شرق السودان. المادة 54 من هذا القانون تستهدف النساء بصورة مباشرة و على إثرها يتم القبض بشكل يومي على النساء و دونكم قضية الناشطة ويني عمر التي تواجه موادا تصل عقوبتها إلى الإعدام بعد إعتقالها بواسطة قوات النظام العام.
قانون النظام العام فى السودان يتدخل حتى فى تصنيف الاغانى والشعر والرقص وغيرها من التعبيرات الثقافية. الشرطي فى السودان أيضا يمكنه ان يصنف اي غنى او رقص بانه هابط وفق تصوراته الدينية المتطرفة و دون ادنى مراعاة لحق الإنسان في التعبير و الإبتكار. ان السلطة التقديرية التى يتيحها قانون النظام العام لمنسوبي الشرطة قادت لانتهاكات جسيمة وخطيرة خاصة ضد المراة السودانية وصلت الى جرائم الاغتصاب بواسطة افراد الشرطة كما هى فى حادثة صفية اسحاق. ان الجرائم التى ترتكب فى السودان بموجب قانون النظام العام وحدها كفيلة بابقاء اسم السودان تحت بند الاجراءات الخاصة لدى مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة.
الوضع الإقتصادي
الربط ما بين الوضع الإقتصادي و حقوق الإنسان في السودان ينبثق من منع الإنسان السوداني من العيش بكرامة و ذلك بتخصيص كل موارد الدولة لدعم الحرب في السودان، و بالنتيجة تدهور الإقتصادي و جعل الوضع الإقتصادي للفرد و دخله دون الحد الأدنى للفقر، حيث يعيش معظم المواطنين السودانيين بدخول تعجز عن سد إحتياجاتهم اليومية.
رسميا أعلن النظام إفلاسه من خلال حديث وزير خارجية النظام المقال الدكتور إبراهيم غندور بتاريخ 18 أبريل 2018م أمام البرلمان الحكومي، و بالرغم من أن النظام لا يزال يكابر بهذه المسألة، إلا أن إجراءآت منع المواطنين من سحب أموالهم من البنوك مقابل تجفيف الصرافات الآلية ضمن إجراءات النظام لوقف تدهور قيمة الجنيه السوداني و بالتالي تعطيل حياة الناس و منعهم من ممارسة حياتهم بينها المتابعة الصحية و السفر بغرض العلاج.
يحدث هذا في وقت فيه يخصص النظام السوداني كل الموارد المتاحة من البترول و الذهب و مدخولات المعادن الأخرى بجانب الضرائب العالية التي تصل في بعض الأحيان إلى نسبة 200٪ بجانب العائدات من عبور نفط جنوب السودان عبر الأراضي السوداني و التي تصل 24.5 دولار لكل برميل، جميعها يتم تخصيصها للحرب و دعم المليشيات و بالمقابل إفقار المواطنين السودانيين و جعلهم يعيشون حياة الضنك و المعاناة.
ان حالة الافلاس و الانهيار التام للاقتصاد السودانى والتى تمظهرت فى الغلاء المتزايد فى اسعار السلع الضرورية والتدهور المريع فى قيمة العملة الوطنية و افلاس معظم البنوك التجارية لهى نتاج طبيعى لاتباع الدولة لسياسة اقتصاد اللصوص والتى تتيح لمنسوبى النظام وحدهم نهب موارد الدولة والافقار الممنهج لبقية الشعب السودانى. نهب موارد الدولة خاصة تجنيب عائدات البترول و تهريب الذهب بواسطة منسوبى النظام امر اثبت بشهادات بعض المتنفذين من داخل النظام نفسه، آخرها الاعترافات التي جاءت على لسان محمد حمدان دقلو (حميدتى) قائد قوات الدعم السريع والذى صرح لتلفزيون السودان قبل ايام بان الذهب يتم تهريبه من الخرطوم (من العمارة) وليس الحدود.
ان النظام السودانى بتبنيه لهذة السياسة الاقتصادية اللصوصية يظن بان سياسية التجويع “جوع كلبك يتبعك” سوف تصرف الشعب السودانى من المطالبة بحقوقة المشروعة، مثل حق الحياة و العيش الكريم و حرية الراي و التعبير و التنقل فضلا عن الحقوق المتعلقة بالمشاركة السياسية. تدمير الاقتصاد السوداني وتجويع الناس بواسطة النظام القائم الان فى السودان يعد اكبر انتهاك لحقوق الانسان بإعتبار ان الاقتصاد هو الدعامة الاساسية للحياة الكريمه وغيابه يعنى تفسخ و تحلل الاخلاق و تلاشى القيم و المجتمع برمته. بناءا على هذه الوقائع يجب على مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة ابقاء اسم السودان تحت بند الاجراءات الخاصة حتى يتم مراقبته عن قرب. على المجلس ايضا حث الدول الاروبية على الكف عن دعم نظام ينتهك حقوق شعبة والا سوف يصبح الاتحاد الاروبى شريك أصيل فى الجرائم التى يرتكبها النظام السودانى ضد شعبة.
مما تقدم يمكننا أن نخلص إلى حقيقة مفادها أن الإنسان السوداني يعيش في بؤرة من الجحيم، و أن مستقبل الحياة في السودان لا يواجه إلا المزيد من المخاطر في حال بقاء النظام أو إستمرار الوضع على ما هو عليه الآن، و هذا يتطلب منا جميعا و مجلس حقوق الإنسان في دورته الحالية بوجه أخص، بعدم خلط القضايا السياسية و القضايا الحقوقية و رهن مسألة الحقوق أو إستغلالها لتحقيق مكاسب أو تنازلات سياسية، كما أنه يجب على مجلس حقوق الإنسان و الدول و الأنظمة الديمقراطية الضغط على النظام السوداني من خلال إتباع إجراءات صارمة و إبقاء وضع السودان تحت البند الرابع من ميثاق حقوق الإنسان كما أننا نرى أن الزيارات الميدانية للخبير الحقوقي المستقل وحدها غير كافية و لذا نطالب، بكل وضوح، بضرورة تثبيت مكاتب إشراف ميدانية في الخرطوم و في مدن و بلدات مناطق الحرب في كل من دارفور و جنوب كردفان و النيل الأزرق بما يمكن المجلس من الإطلاع على الأوضاع بصورة مباشرة و بما يدعم تحسين وضع حقوق الإنسان في السودان.
د. الهادي إدريس يحي
رئيس حركة / جيش تحرير السودان – المجلس الإنتقالي
التاريخ 13/9/2018
اكتشاف المزيد من قناة المرصاد
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد