بقلم: نور الدين كوكي – باريس
منذ تأسيس الدولة السودانية الحديثة في ظل النظام البرلماني في نهاية القرن الماضي، واجه السودان تحديات هيكلية عميقة. بدأت هذه التحديات بدخول القوى السياسية إلى مؤسسات الحكومة الثنائية الأنجلو-مصرية بين عامي 1898 و 1956. مع تشكيل المجلس الاستشاري لشمال السودان في عام 1944 ، ثم البرلمان الانتقالي في عام 1953 ، ظهرت منظمات سياسية مثل الاتحاد القبلي والاتحاد السوداني واللواء الأبيض والكتلة السوداء. إلا أن هذه الكيانات كانت تفتقر إلى رؤية وطنية شاملة، حيث طغت عليها التوجهات القبلية والطائفية، ووضعت السودان على مسار الأزمة منذ البداية.
أزمة الهوية الوطنية: واجه السودان منذ تأسيسه انقسامات عرقية وثقافية عميقة. تبنت الدولة سياسات مركزية أضعفت الأحزاب، مما أدى إلى صراعات حول الهوية الوطنية. عززت هذه السياسات الهيمنة العرقية والدينية، حيث هيمنت الثقافة العربية الإسلامية على بقية الثقافات، مما تسبب في صراعات في الهوية لا تتوافق مع الديمقراطية ومبادئ التعايش الإنساني.
ومع ظهور مشروع “المركزية العربية الإسلامية” بقيادة الجبهة الإسلامية، تصاعدت السياسات الإقصائية ضد القوميات الأفريقية، وتكثفت الخطابات الدينية لمواجهة هذه القوميات. أدت هذه السياسات إلى تفاقم الصراعات الداخلية وظهور حركات التمرد في جنوب السودان ودارفور والشرق.
عوامل “الاضمحلال البارد” بدأت الدولة السودانية في التآكل تدريجيا نتيجة لمجموعة من الأزمات المتداخلة، أبرزها: 1. الحروب الداخلية: في الجنوب والغرب والشرق.2. التدخلات الدولية: بوجود القوات الدولية وقرارات مجلس الأمن، بلغ العدد سبعة قرارات.3. انفصال جنوب السودان: كعلامة على ضعف الوحدة الوطنية.4. الأزمات الإنسانية: مثل النزاع في دارفور واتهامات المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.5. تصاعد الدعوات إلى تقسيم السودان: نتيجة الانقسامات السياسية والعرقية.6. عدم الاستقرار السياسي والأمني: بسبب الصراعات الداخلية والانقلابات العسكرية المتكررة.7. ضعف ثقافة الديمقراطية: جعل الانتخابات محفوفة بالمخاطر وتؤدي إلى انقسامات أعمق. لمعالجة هذه الأزمات، يجب على السودان أن يتبنى إصلاحات سياسية واجتماعية بعيدة المدى، بما في ذلك التحول الديمقراطي: من خلال انتخابات حرة ونزيهة، وضمان الانتقال السلمي للسلطة. محاسبة المسؤولين عن الجرائم: بما في ذلك الإبادة الجماعية والفساد. إزالة الفوارق الاجتماعية: ومعالجة قضايا التهميش عبر مؤسسات الدولة. تعزيز الوحدة الوطنية: من خلال احترام التنوع الثقافي والعرقي والديني.
يعتمد بقاء السودان كدولة موحدة على نجاح الانتقال الديمقراطي وإرساء العدالة والمساواة. الثقافة الديمقراطية هي المفتاح لتجاوز الانقسامات وضمان التعايش السلمي بين مختلف مكونات الشعب السوداني. إذا تم تجاهل هذه القضايا ، فسيستمر السودان في طريق “الاضمحلال البارد” ، مما يهدد مستقبل الأمة بأكملها.
Share this content:
إرسال التعليق