بقلم: د. بحر ادريس ابوقَردة
ظهر في الايام الأخيرة حديث عن مقايضة الفاشر بالخرطوم، حيث قال السيد رئيس مجلس السيادة في لقائه مع بعض الاعلاميين مؤخرا انهم لم يقبلوا مقايضة الخرطوم بالفاشر !!، ولكنه لم يوضح ما السبب من ذكر هذا الموضوع الخطير عرضاً هكذا من دون إيضاح، الأمر الذي ادي إلى طرح عدد من الاسئلة وإثارة بعض التوجس.
أكثر من أهتم بالموضوع بحثاً وسؤالاً هو الاستاذ الكبير عادل الباز عبر مقاله: مقايضة الخرطوم بالفاشر حيث تسأل عن الذين طرحوا المقايضة ولماذا طرحوها ومتي كان ذلك، شمل بحث الاستاذ الباز حسب مقاله المقربين من مليشيا الدعم السريع وحليفها التقدم والحكومة السودانية، ولكنه لم يجد شيئاً مذكورا، فعليه قدم عدد من المحاذير في غاية الأهمية في حال أقدمت الحكومة على مثل هذه الفكرة المسمومة.
من شدة ثقة الدوائر التي خططت لإحداث التغيير في البلاد في استراتيجيتها التي حشدت لها كافة الامكانات العسكرية والسياسية والدبلوماسية والمالية واللوجستية والتأمينية محلياً وإقليميا ودولياً، عبر الانقلاب العسكري الدموي يوم ١٥ ابريل من العام الماضي، لم تكن بحاجة لإعداد الخطة ب (الخطة البديلة)، ولكن بعد تمكن القوات المسلحة من افشال الانقلاب. استمرت الحرب المدمرة مستفيدة من كافة التجهيزات التي حُضّرت للانقلاب وبدعم مفتوح من رعاة المشروع تحت الإشراف المباشر من دولة الامارات العربية المتحدة.
برغم من فشل الانقلاب إلا أن ثقتهم كانت كبيرة جداً في كسب الحرب في فترة وجيزة خاصة بعد ما استغلوا فترة هدن وقف إطلاق النار من إدخال أسلحة نوعية (أجهزة التشوش- الصواريخ الموجهة- المسيرات – وغيرها).
عندما استطالت الحرب وتقلصت قدرات المليشيا وبدأ في العد التنازلي لقوّتها بفضل الاستراتيجية التي اتبعتها القوات المسلحة جاءت فكرة الخطة ب.
من الطبيعي أن لأي استراتيجية او خطة (خطة بديلة) ولكن كما ذكرنا آنفاً من فرط ثقتهم في استراتيجيتهم لم يفعلوا ذلك. ولكنهم عندما راؤوا بأم أعينهم الانهيار التدريجي لاستراتيجيتهم بدأوه في الخطة ب وهي عبارة تحويل قدرات نوعية معتبرة بشرية وعسكرية من عدة مناطق وتحشيد جديد، لإسقاط مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور- عاصمة دارفور الكبرى- تمهيداً لتكوين حكومة في دارفور وفرض واقع جديد، حيث تلقوا وعوداً مسبقة للتعامل معها كحكومة امر واقع.
اما الهدف الرئيسي لهذه الخطوة هو العودة إلى الخطة أ (السيطرة على الخرطوم) من خلال الخطة ب (السيطرة على الفاشر) والقيام بالإعداد اللازم من خلال خطوات سنذكرها لاحقاً.
في خضم هذه المرحلة ظهر موضوع المقايضة بالطريقة التي ذكرناها سابقا و عليه ، من خلال متابعتي المستمرة لموضوع الاصرار علي اسقاط مدينة الفاشر ، ليس فقط في اوساط المليشيا و الاعلام ولكن ايضا في اوساط الدوائر الاجنبية المعنية بمتابعة هذا الأمر تحت غطاء معاناة اهل الفاشر و قضية العون الانساني ، أعتقد تلك الدوائر هي صاحبة مشروع المقايضة طرحتها عندما تيقنت أن سقوط مدينة الفاشر ليس بالأمر الهين و ان الخطة ب نفسها في خطر ، بفضل التضحيات الكبيرة التي قدمتها القوات المسلحة و القوة المشتركة للحركات المسلحة و المستنفرين و جميع اهل الفاشر في الداخل والخارج بدون استثناء.
مما يؤكد الخطة ب والمقايضة تسعيان لتحقيق نفس الهدف، وهو الرجوع إلى السيطرة على الخرطوم. دعونا نتعرف على اهداف الخطة ب وهي اتاحة الفرصة للمليشيا عبر حكومة الأمر الواقع التي تكونها في دارفور تحقيق:
-السعي من رعاة المليشيا بكل قوة لتكريس مفهوم مساواة الجيش السوداني بالميليشيا وان الحرب بين جنرالين لضمان احتفاظ بقوات المليشيا سلماً او حربا.
-وسوف يسعون بذات القوة لمساواة الحكومة التي تكونها المليشيا في دارفور بالحكومة السودانية.
-ويقومون بأعاده ترميم وترتيب وتنظيم وتطوير قوات المليشيا ومعالجة التفكك في داخلها بسبب هلاك معظم القوي المدربة والمنظمة على رأسها معظم قيادات الصف الأول والثاني. ومعالجة المشكلة القبلية والاثنية التي تحولت إلى مهدد حقيقي لبقاء قوات المليشيا موحدة.
-تحشيد جديد من كافة الحواضن الداخلية والخارجية لسد النقص الكبير الذي حدث لقواتهم بسبب استراتيجية الاستنزاف الناجحة التي اتبعتها القوات المسلحة.
-تجهيز كل مخازن المعدات الحربية من الاسلحة والذخائر بمواصفات عالية جداً (تحت الارض وفوقها) في جميع ولايات دارفور وملئها بكل الاحتياجات المطلوبة.
-لا يمكن القيام بمثل هذه الترتيبات الا بعد السيطرة على مدينة الفاشر التي تعني السيطرة على كل الاقليم ذلك سواء بالحرب او بالمقايضة.
بعد الفراغ من كل هذه الترتيبات التي ربما تحتاج إلى عامين تقريباً
سوف يعيدون الكرة للسيطرة على الخرطوم وبقية ولايات البلاد.
علي الجميع ان يدرك أن المؤامرة كبيرة واحياناً تأخذ أشكال مختلفة وتتبع خطط بديلة، ولكن سوف لن تتخلي عن مشروعها الذي استثمرت فيه كل هذه الأموال والجهود بسهولة إلى أن يتأكدوا أن الشعب السوداني لن يسمح لهم بنجاح مشروعهم.
عليه، على بعض ابناء السودان الذين يصدقون المؤامرات المسمومة مثل مقايضة الخرطوم بالفاشر او الذهاب إلى الجنيف لتحقيق السلام بالطريقة التي رأيناها.
نقول لهم الرغبة الصادقة وحدها لا تجلب السلام، (أعقلها فتوكل)
5.9.2024م بورتسودان
اكتشاف المزيد من قناة المرصاد
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
اترك رد